«رحمک اللّه أبا محمد، إن کنت لتباصر الحق مظانه، و تؤثر اللّه عند التداحض فى مواطن التقیة بحسن الرویة، و تستشف جلیل معاظم الدنیا بعین لها حاقرة، و تفیض علیها یدا طاهرة الأطراف، نقیة الأسرة، و تردع بادرة غرب أعدائک بأیسر المؤنة علیک، و لا غرو فأنت ابن سلالة النبوة، و رضیع لبان الحکمة، فالى روح و ریحان، و جنة و نعیم، أعظم اللّه لنا و لکم الأجر علیه، و وهب لنا و لکم حسن الأسى عنه» .

ثم جلس على القبر و أخذ یروی أدیمه بماء عینیه، و ینشد:

أ أدهن رأسی أم تطیب محاسنی

و خدک معفور و أنت سلیب

أ أشرب ماء المزن من غیر مائه

و قد ضمن الأحشاء منک لهیب

أو أستمتع الدنیا لشیء أحبه

الى کل ما أدنى إلیک حبیب

سأبکیک ما ناحت حمامة أیکة

و ما اخضر فی دوح الحجاز قضیب

غریب و أکناف الحجاز تحوطه

ألا کل من تحت التراب غریب

فلا یفرح الباقی ببعد الذی مضى

فکل فتى للموت فیه نصیب

و لیس حریبا من أصیب بماله

و لکن من وارى أخاه حریب

بکائی طویل و الدموع غزیرة

و أنت بعید و المزار قریب

نسیبک من أمسى یناجیک طیفه

و لیس لمن تحت التراب نسیب

و أقبل أخوه، الثاکل الحزین محمد بن الحنفیة فوقف على حافة القبر کأنه یعانی آلام الاحتضار قد استجاب لأحاسیس نفسه الولهى، و قلبه المتصدع الذی لیس فیه فراغ لغیر الأسى و الحزن و هو یصوغ من حزنه کلمات قائلا:

«رحمک اللّه یا أبا محمد، فو اللّه لئن عزت حیاتک لقد هدت وفاتک و لنعم الروح روح عمّر بدنک، و نعم البدن بدن تضمنه کفنک، و لنعم الکفن کفن تضمنه لحدک، و کیف لا تکون کذلک و أنت سلیل الهدى، و حلیف أهل التقى، و خامس أصحاب الکساء، وجدک المصطفى، و أبوک المرتضى، و أمّک فاطمة الزهراء، و عمک جعفر الطیار فی جنة المأوى، غذتک أکف الحق، و ربیت فی حجر الإسلام، و أرضعتک ثدى الإیمان فطبت حیا و میتا، و إن کانت أنفسنا غیر قالیة لحیاتک، و لا شاکة فی الخیار لک، و إنک و أخاک لسیدا شباب أهل الجنة، فعلیک أبا محمد منا السلام» .

و بعد الفراغ من دفن الإمام و تأبینه أقبلت الجماهیر ترفع للإمام الحسین التعازی الحارة و تواسیه بمصابه الألیم و هو (ع) واقف یشکرهم على مواساتهم و تعازیهم.